فصل: (سورة القدر: الآيات 1- 5)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الباب الثالث: في علامتها وأماراتها:

أخبرنا أبو عمر الفراتي قال: أخبرنا أبو نصر السرخسي قال: حدّثنا محمد بن الفضل قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا النضر عن أشعث عن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: «من أماراتها أنها ليلة بلجة سمحة، لا حارة ولا باردة، تطلع الشمس صبيحتها ليس لها شعاع».
وقال حميد بن عمر: كنت ليلة السابع والعشرين في البحر فأخذت من مائه فوجدته سلِسًا.

.الباب الرابع: في فضائلها وخصائصها:

حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد الجهني بها قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن ببغداد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدّثنا محمد بن كثير عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي- عليه السلام- قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وفي الحديث: «إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يُضيء فجرها، ولا يستطيع أن يصيب فيها أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيها سحر ساحر».
وروي عن ابن عباس أن النبي- عليه السلام- قال: «إذا كانت ليلة القدر ينزل الملائكة الذين هم سكّان سدرة المنتهى، ومنهم جبريل، فينزل جبريل ومعه ألوية ينصب لواءً منها على قبري، ولواءً منها على بيت المقدس، ولواءً في المسجد الحرام، ولواءً على طور سيناء، ولا يدع فيها مؤمنًا ولا مؤمنة إلاّ سلّم عليه إلاّ مُدمن الخمر وآكل الخنزير والمتضمخ بالزعفران».

.الباب الخامس: في آدابها وفيما يستحب فيها:

حدّثنا أبو بكر بن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا الحسين بن مكرم قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا كُهمس عن عبد اللّه بن بُريدة «أنّ عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إنْ وافت ليلة القدر فما أقول؟ قال: قولي: الّلهمّ إنّك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنّي».
وروى شريح بن هانئ عن عائشة قالت: لو عرفت أيّ ليلة القدر ما سألت اللّه فيها إلاّ العافية.
وأخبرنا أبو عمر الفراتي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن سهل قال: حدّثنا سعيد بن عيسى قال: حدّثنا فارس بن عمر قال: حدّثنا صالح قال: حدّثنا العمري عن عاصم بن عبيد اللّه عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى المغرب والعشاء الآخرة من ليلة القدر في جماعة فقد أخذ حظه من ليلة القدر».
{ليلة القدر خَيْرٌ مِّنْ ألف شهر} أخبرنا أبو عمر الفراتي قال: أخبرنا أبو موسى قال: أخبرنا موسى بن عبد اللّه: قال: حدّثنا أبو مصعب عن ملك أنه سمع من يثق به أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس تقاصر أعمار أُمّته ألاّ يبلغوا من الأعمال مثل الذي يبلغ غيره في طول العمر، فأعطاه اللّه سبحانه: {ليلة القدر خَيْرٌ مِّنْ ألف شهر}.
واختلفوا في الحكمة الموجبة لهذا العدد، فأخبرني الحسين قال: حدّثنا الكندي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن حاتم قال: قرئ على يونس بن عبد الأعلى: أخبرنا ابن وهبة قال: حدّثنا مسلمة عن علي بن لهيعة قال: «ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومًا أربعة من بني إسرائيل عبدوا اللّه ثمانين عامًا، لم يعصوه طرفة عين فذكر: أيّوب، وزكريّا، وحزقيل ابن العجوز، ويوشع بن نون قال: فعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أُمّتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا اللّه طرفة عين. فقال: أنزل اللّه تعالى عليك خيرًا من ذلك. ثم قرأ عليه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر} لأن هذا أفضل مما عجبت أنت وأُمّتك. قال: فسرّ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والناس معه».
وأخبرنا أبو عمرو الفراتي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدّثنا سعيد بن عيسى قال: حدّثنا فارس بن عمرو قال: حدّثنا صالح قال: حدّثنا مسلم بن خالد بن أبي نجح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر قال: فعجب المسلمون من ذلك فأنزل اللّه سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر وَمَآ أَدْرَاكَ ما ليلة القدر ليلة القدر خَيْرٌ مِّنْ ألف شهر} الذي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل اللّه.
ويقال: إنّ ذلك الرجل كان شمشون- عليه السلام- ، وكانت قصته على ما ذكر وهب بن منبه أنّه كان رجلا مسلمًا وكانت أُمّه قد جعلته نذيرًا، وكان من أهل قرية من قرى الروم كانوا يعبدون الأصنام، وكان منزله منها على أميال غير كثيرة، فكان يغزوهم وحده، ويجاهدهم في اللّه فيصيب منهم وفيهم حاجته، ويقتل ويسبي ويصيب الأموال، وكان إذا لقيهم لقيهم بلحي بعير لا يلقاهم بغيره، فإذا قاتلوه وقاتلهم وتعب وعطش انفجر له من الحجر الذي في اللحي ماء عذب فيشرب منه حتى يروى.
وكان قد أُعطي قوّة في البطش، وكان لا يوثقه حديد ولا غيره، فكان كذلك، فجاهدهم في اللّه، يصيب منهم حاجته لا يقدرون منه على شيء حتى قالوا: لن تأتوه إلاّ من قبل امرأته، فدخلوا على امرأته فجعلوا لها جعلا فقالت: نعم، أنا أوثقه لكم فأعطوها حبلا وثيقًا، وقالوا لها: إذا نام فأوثقي يده إلى عنقه حتى نأتيه فنأخذه، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بذلك الحبل، فلما هبُّ جذبه بيده فوقع من عنقه.
فقال لها: لم فعلت ذلك؟ فقالت: أُجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك، فأرسلتْ إليهم: إني قد ربطته بالحبل فلم أُغنِ شيئًا، فأرسلوا إليها بجامعة من حديد، وقالوا: إذا نام فاجعليها في عنقه، فلمّا نام جعلتها في عنقه، فلمّا هبَّ جذبها فوقعت من يده وعنقه، فقال لها: لم فعلت هذا؟ قالت: أجرّب بها قوتك، ما رأيت مثلك في الدنيا يا شمشون، أما في الأرض شيء يغلبك؟ قال: إلاّ شيء واحد، قالت: وما هو؟ قال لها: ها أنا لمخبرك به، فلم تزل تسأله عن ذلك وكان ذا شعر كثير، فقال لها: ويحك إنّ أُمّي كانت جعلتني نذيرًا فلا يغلبني شيء أبدًا، ولا يضبطني إلاّ شعري، فلمّا نام أوثقت يده إلى عنقه بشعر رأسه، فأوثقه ذلك وبعثت إلى القوم.
فجاؤا فأخذوه فجدعوا أنفه وانفذوا أُذنيه وفقأوا عينيه، ووقفوا بين ظهراني المدينة، وكانت مدينة ذات أساطين، وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمشون وما يُصنع به، فدعا شمشون ربّه حين مثلوا ووقفوه أن يسلّطه عليهم، فأمر أن يأخذ بعمودين من عمد المدينة التي عليها الملك والناس الذين معه فاجتذبهما جميعًا فجذبهما، فردّ اللّه تعالى إليه بصره وما أصابوا من جسده، ووقعت المئذنة بالملك ومن عليها من الناس، فهلكوا فيها هدما.
وقيل: هو أن الرجل فيما مضى كان لا يستحق أن يقال له: عابد، حتى يعبد اللّه ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فجعل اللّه سبحانه لأمّة محمد- عليه السلام- ليلةً خيرًا من ألف شهر كانوا يعبدون فيها.
وقال أبو بكر الورّاق: كان ملك سليمان خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر، فيحتمل أن يكون معنى الآية: ليلة القدر خير لمن أدركها مما ملكه سليمان وذو القرنين (عليهما السلام).
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن الأشقر قال: حدّثنا زيد بن أخرم قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا علقمة بن الفضل عن يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي فقال: سوّدت وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعته يعني معاوية فقال: لا تؤنّبني رحمك الله فإن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد أُري بني أُميّة يخطبون على منبره رجلًا رجلًا فساءه ذلك فنزلت {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} [الكوثر: 1] ونزلت {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي ليلة القدر وَمَآ أَدْرَاكَ ما ليلة القدر ليلة القدر خَيْرٌ مِّنْ ألف شهر} تملكه بنو أُميّة.
قال القاسم: اللّهمّ فحسبنا ملك بني أُميّة فإذا هو ألف شهر لا يزيد ولا ينقص.
وقال المفسّرون: عمل صالح في ليلة القدر خيرٌ من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وروى الربيع عن أبي العالية قال: ليلة القدر خيرٌ من عمر ألف شهر، وقال مجاهد: سلام الملائكة والروح عليك تلك الليلة خير من سلام الخلق عليك ألف شهر فذلك قوله سبحانه: {تَنَزَّلُ الملائكة}.
قرأ طلحة بن مصرف تَنزِلُ خفيفة، من النزول، والروح يعني جبرئيل في قول أكثر المفسّرين يدلّ عليه ما روى قتادة عن أنس أن رسول اللّه- عليه السلام- قال: «إذا كان ليله القدر نزل جبرئيل في كبكبة من الملائكة يصلّون ويسلّمون على كلّ عبد قائم أو قاعد يذكر اللّه سبحانه».
وقال كعب ومقاتل بن حيان: الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلاّ تلك الليلة، ينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
وقال الواقدي: هو مَلَك عظيم من أعظم الملائكة خلقا يخلق من الملائكة.
{فِيهَا} أي في ليلة القدر {بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أمر} قدّره اللّه سبحانه وقضاه في تلك السنة إلى قابل، لقوله سبحانه في الرعد: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمر الله} [الرعد: 11] أي بأمر الله.
وقد أخبرنا محمد بن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا يحيى بن زياد الفرّاء قال: حدّثني أبو بكر بن عباس عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّه كان يقرأ {من كل امرئ سلام}، ورويت هذه القراءة أيضًا عن علي بن أبي طالب وعكرمة، ولها وجهان:
أحدهما: إنّه وجّه معناه إلى الملك أي من كلّ ملك سلام.
والثاني: أن يكون من بمعنى على تقديره: على كل امرئ من المسلمين سلام من الملائكة كقوله سبحانه: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم} [الأنبياء: 77] أي على القوم، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة؛ لاجماع الحجّة من القراءة عليها ولموافقتها خطّ المصاحف؛ لأنه ليس فيها ياء.
وقوله: {سَلاَمٌ} تمام الكلام عند قوله: {مِّن كُلِّ أمر} ثم ابتدأ فقال سبحانه: {سَلاَمٌ هِيَ} أي ليلة القدر سلام وخير كلّها ليس فيها شر.
قال الضّحاك: لا يقدر اللّه سبحانه في تلك الليلة إلاّ السلامة، فأمّا في الليالي الأُخر فيقضي اللّه تعالى فيهنّ البلاء والسلامة، قال مجاهد: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا ولا أن يحدث فيها أذى.
وقال الشعبي ومنصور بن زاذان: هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، يمرون على كلّ مؤمن ويقولون: السلام عليك يا مؤمن.
{حتى مَطْلَعِ الفجر} {حتى} حرف غاية، مجازها إلى {مطلع الفجر}.
قرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي وخلف بكسر اللام، غيرهم بفتحه وهو الاختيار؛ لأن المطلع بفتح اللام بمعنى الطلوع يقال: طلعت الشمس طلوعًا ومطلعًا، فأمّا المطلع بكسر اللام فإنّه موضع الطلوع، ولا معنى للاسم في هذا الموضع، إنّما هو لمعنى المصدر، واللّه أعلم. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة القدر:
مكية.
وقيل مدنية.
وآياتها 5.
نزلت بعد عبس.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة القدر: الآيات 1- 5]

{إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي ليلة القدر (1) وَما أَدْراكَ ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خَيْرٌ مِنْ ألف شهر (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أمر (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفجر (5)}
عظم القرآن من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن أسند إنزاله إليه وجعله مختصا به دون غيره.
والثاني. أنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه، والثالث: الرفع من مقدار الوقت الذي أنزل فيه. روى أنه أنزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. وأملاه جبريل على السفرة، ثم كان ينزله على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة.
وعن الشعبي: المعنى إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر واختلفوا في وقتها فأكثرهم على أنها في شهر رمضان في العشر الأواخر في أوتارها، وأكثر القول أنها السابعة منها، ولعل الداعي إلى إخفائها أن يحيى من يريدها الليالي الكثيرة:
طلبا لموافقتها، فتكثر عبادته ويتضاعف ثوابه، وأن لا يتكل الناس عند إظهارها على إصابة الفضل فيها فيفرطوا في غيرها. ومعنى {ليلة القدر}: ليلة تقدير الأمور وقضائها، من قوله تعالى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمر حَكِيمٍ} وقيل سميت بذلك لخطرها وشرفها على سائر الليالي {وَما أَدْراكَ ما ليلة القدر} يعنى: ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علو قدرها، ثم بين ذلك بأنها خير من ألف شهر، وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها:
من تنزل الملائكة والروح، وفصل كل أمر حكيم، وذكر في تخصيص هذه المدّة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بنى إسرائيل لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر، فعجب المؤمنون من ذلك، وتقاصرت إليهم أعمالهم، فأعطوا ليلة هي خير من مدّة ذلك الغازي.
وقيل: إنّ الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد اللّه ألف شهر، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد {تَنَزَّلُ} إلى السماء الدنيا، وقيل: إلى الأرض {وَالرُّوحُ} جبريل.
وقيل: خلق من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة {مِنْ كُلِّ أمر} أى تتنزل من أجل كل أمر قضاه اللّه لتلك السنة إلى قابل.
وقرئ: {من كل امرئ}، أى: من أجل كل إنسان. قيل: لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه في تلك الليلة {سَلامٌ} هِيَ ما هي إلا سلامة، أى: لا يقدر اللّه فيها إلا السلامة والخير، ويقضى في غيرها بلاء وسلامة. أو: ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون على المؤمنين.
وقرئ: {مطلع}، بفتح اللام وكسرها.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القدر أعطى من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فيه وجهان:
أحدهما: يعني جبريل، أنزله الله في ليلة القدر بما نزل به من الوحي.
الثاني: يعني القرآن؛ وفيه قولان:
أحدهما: ما روى ابن عباس قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل في عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وكان ينزل على مواقع النجوم أرسالًا في الشهور والأيام.
القول الثاني: أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر، قاله الشعبي.
واختلف في ليلة القدر مع اتفاقهم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في وتر العشر أوجد، إلا ابن عمر فإنه زعم أنها في الشهر كله.
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنها في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس إلى أنها في ليلة سبع وعشرين.
واختلف في الدليل، فاستدل أبيّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من علامتها أن تصبح الشمس لا شعاع لها»، قال: وقد رأيت ذلك في صبيحة سبع وعشرين، واستدل ابن عباس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سورة القدر ثلاثون كلمة فهي في قوله: {سلام} و{هي} الكلمة السابعة والعشرون، فدل أنها فيها.
وقال آخرون: هي في ليلة أربع وعشرين للخبر المروي في تنزيل الصحف، وقال آخرون: إن الله تعالى ينقلها في كل عام من ليلة إلى أخرى ليكون الناس في جميع العشر مجتهدين، ولرؤيتها متوقعين.
وفي تسميتها ليلة القدر أربعة أوجه:
أحدها: لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن.
الثاني: لأن الله تعالى يقدر فيها أمور السنة، أي يقضيها، وهو معنى قول مجاهد.
الثالث: لعظم قدرها وجلالة خطرها، من قولهم رجل له قدر، ذكره ابن عيسى.
الرابع: لأن للطاعات فيها قدرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا.
{وما أدْراكَ ما ليلة القدر} تنبيهًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على فضلها، وحثًّا على العمل فياه، قال الشعبي: وليلتها كيومها، ويومها كليلتها.
قال الفراء: كل ما في القرآن من قوله تعالى: {وما أدراك} فقد أدراه، وما كان من قوله: {وما يدريك} فلم يدره.
قال الضحاك: لا يقدر الله في ليلة القدر إلا السعادة والنعم، ويقدر في غيرها البلايا والنقم، وقال عكرمة: كان ابن عباس يسمي ليلة القدر ليلة التعظيم، وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة، وليلتي العيدين ليلة الجائزة.
{ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر} فيه ستة أقاويل:
أحدها: {ليلة القدر خير} من عمر {ألف شهر}، قاله الربيع.
الثاني: أن العمل في ليلة القدر خير من العمل في غيرها ألف شهر، قاله مجاهد.
الثالث: أن ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قاله قتادة.
الرابع: أنه كان رجل في بني إسرائيل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدوّ حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأخبر الله تعالى أن قيام ليلة القدر خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر، رواه ابن أبي نجيح ومجاهد.
الخامس: أن ملك سليمان كان خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين كان خمسمائة شهر، فصار ملكهما ألف شهر، فجعل العمل في ليلة القدر خيرًا من زمان ملكهما.
{تَنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ فيها} قال أبو هريرة: الملائكة في ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.
وفي {الروح} ها هنا أربعة أقاويل:
أحدها: جبريل عليه السلام، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: حفظة الملائكة، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث: أنهم أشرف الملائكة وأقربهم من الله، قاله مقاتل.
الرابع: أنهم جند من الله من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا.
ويحتمل إن لم يثبت فيه نص قولا خامسًا: أن الروح والرحمة تنزل بها الملائكة على أهلها، دليله قوله تعالى: {ينزّل الملائكة بالرُّوح من أمره على من يشَاءُ من عباده} أي بالرحمة.
{بإذْن ربِّهم} يعني بأمر ربهم.
{مِن كل أمر} يعني يُقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من العام القابل.
وقرأ ابن عباس: {من كل امرئ}، فتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل فيها مع الملائكة فيسلمون على كل امرئ مسلم.
{سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن ليلة القدر هي ليلة سالمة من كل شر، لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان، قاله مجاهد.
الثاني: أن ليلة القدر هي سلام وخير وبركة، قاله قتادة.
الثالث: أن الملائكة تسلم على المؤمنين في ليلة القدر إلى مطلع الفجر، قاله الكلبي. اهـ.